أيقونة العملات

العملات

الدولار اليوم
اليورو اليوم
أيقونة الطقس

الطقس

أيقونة الإشعارات

اشعارات

تقارير بوست

التنسيقات الإسرائيلية.. إنهاك للاقتصاد الغزي وخلق أسواق سوداء

1 ديسمبر 2025 - بقلم: محمد الجمل

ما زال الاقتصاد الغزي يواجه كوارث متتالية، بسبب الإجراءات الإسرائيلية التي بدأ الاحتلال بفرضها منذ اندلاع حرب الإبادة على القطاع، ما أسهم في تعميق الازمات، وزيادة الفقر.

وفرض الاحتلال خلال الحرب ما يُعرف بـ"تنسيقات التجار:، وهي مبالغ مالية باهظة، يدفعها التجار نظير السماح لهم بإدخال البضائع للقطاع، وهو إجراء غير قانوني ذهب بعض الاقتصاديون لتسميته "بلطجة".

"التنسيقات" تصنع اقتصاد أسود

من جهته أكد رئيس غرفة تجارة غزة، عائد أبو رمضان، إن "التنسيقات غير القانونية" أصبحت سببًا مباشرًا في صناعة اقتصاد أسود وارتفاع غير مسبوق على الأسعار في قطاع غزة.

وأكد أبو رمضان أن المبالغ المدفوعة لهذه التنسيقات منذ بدء العدوان حتى نوفمبر/تشرين ثاني الماضي وصلت إلى 976 مليون دولار، ما يعكس حجم التشوه الذي أصاب السوق الغزّي، وانعكاسات ذلك السلبية على المواطنين والمستهلكين.

وبين أبو رمضان أن هناك فجوة كبيرة بين ما جرى الاتفاق عليه رسميًا وما يجري على أرض الواقع، الأمر الذي أدى إلى نقص حاد في السلع وارتفاع كبير في الأسعار. 

وأكد أن هناك قيود إسرائيلية مشددة مازالت مفروضة على مختلف السلع الأساسية، مثل المواد الغذائية، ومواد البناء، ومستلزمات الإيواء، والأدوية، وقطع الغيار، ما تسبب في انهيار سلاسل الإمداد وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

وكشف أبو رمضان، أن قيمة التنسيقات التجارية الخاصة بإدخال السلع إلى قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023 تجاوزت المليار دولار.

وأوضح أبو رمضان أن التنسيقات ما زالت مستمرة حتى اليوم، مشيرًا إلى أن دخول السلع إلى غزة يتم عبر المساعدات أو التنسيقات التجارية التي تتخذ عدة أشكال.

وبين أن سلطات الاحتلال تسمح فقط لحوالي 12 تاجرا بإدخال أنواع محددة من البضائع إلى القطاع، غالبيتها من المواد الغذائية الأساسية كالسكر والطحين والبقوليات، وفي حال عدم توفر هذه السلع لدى التجار المعتمدين، يقوم بعضهم ببيع ثمن التنسيق لتجار آخرين لإدخال البضائع.

وأضاف أن أصنافا أخرى مثل الملابس والدجاج واللحوم والمواد البلاستيكية والبهارات والشوكولاتة تحتاج إلى تنسيقات خاصة يتم شراؤها بشكل منفصل، ما يرفع الكلفة على التجار والمستهلكين.

وفيما يتعلق بآلية التنسيقات، أوضح أبو رمضان أن تاجر من غزة يتواصل مع تاجر في الضفة الغربية، الذي بدوره يتصل بطرف ثالث "غير معلوم"، يقوم بجمع الأطراف الثلاثة في مكالمة واحدة يتم خلالها تحديد قيمة التنسيق وإتمام الاتفاق.

وكشف رئيس غرفة تجارة وصناعة غزة عن أن إدخال الهواتف المحمولة واللابتوبات وحتى الأموال النقدية يتم عبر سيارات بنمرة صفراء تدخل من معبر "كيسوفيم" التي يسيطر عليها الاحتلال، مشيرًا إلى أن عشرات الشاحنات دخلت القطاع بهذه الطريقة، وتصل قيمة التنسيقات لهذا النوع إلى نحو مليون دولار.

آثار التنسيقات

على الرغم من توفر غالبية أنواع السلع في الأسواق، إلا أن الأسعار مازالت مرتفعة، وخارج قدرة الكثير من العائلات.

فعلى سبيل المثال لم ينخفض ثمن الكيلو جرام من الدجاج المجمد عن 50 شيكل، وكذلك اللحم البقري المجمد يصل سعره حالياً إلى 60 شيكل، بينما يُباع طبق بيض المائدة الشحيح في الأسواق ما بين 60-80 شيكل.

ووفق باعة في الأسواق، فإنهم يستلمون البضائع من التجار بأسعار عالية، ولا ذنب لهم في هذا الارتفاع، موضحين أن كبار التجار يتحججون بارتفاع أجرة النقل، وتأمين البضائع، وكذلك مبالغ يدفعونها بدل تنسيق بضائع، وهو بند أضيف حديثاً، حيث تتقاضى جهات إسرائيلية مبالغ كبيرة بدل تنسيقات لنقل البضائع إلى القطاع.

ووفق مختصون فإن "التنسيقات"، تضر بالاقتصاد في غزة من خلال فرض رسوم باهظة على دخول البضائع، مما يرفع الأسعار، ويزيد من تكلفة البضائع الأساسية، ويؤدي إلى انهيار المنافسة واحتكار التجار، ويزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين بشكل كبير، كما تؤدي إلى نقص السيولة.

بينما أكدت مصادر مطلعة أن "التنسيقات"، أدت إلى ارتفاع تكاليف جلب البضائع للقطاع، وهذا أدى إلى ارتفاعات حادة في الأسعار تتراوح بين 300% و800% مقارنة بفترة ما قبل الحرب.

بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي ماهر الطباع أنه قبل الحرب كان لكل تاجر اسم تجاري معروف، وكانت عملية الاستيراد تتم بالتنسيق مع الجهات المختصة في وزارتي الاقتصاد والمالية والغرف التجارية، حيث يتم تحديد نوع البضاعة وكميتها ومصدرها، وبعد الحصول على الموافقات اللازمة، كانت الإجراءات تراعي حماية المنتج الوطني وضمان الجودة والسعر المناسب... أما اليوم، ومع الحرب والفوضى، فقد أصبحت عملية الاستيراد غامضة وغير واضحة المعالم، وتسيطر عليها ممارسات غير قانونية وخارج نطاق الرقابة.

وأضاف الطباع أن الرقم المعلن عن الأموال المدفوعة للتنسيقات غير القانونية ضخم للغاية، ويتطلب اتخاذ خطوات عاجلة للحد من زيادته، وصولًا إلى ضبط العملية التجارية وإعادتها إلى مسارها السليم.

انهيار للاقتصاد

وحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار هذا الواقع دون رقابة أو شفافية في إدارة المعابر قد يقود إلى انهيار شامل للاقتصاد الغزّي، ويؤكد هؤلاء الحاجة إلى تدخل دولي عاجل يضمن انسياب البضائع والمساعدات الإنسانية وفق آليات رقابية شفافة تعيد التوازن إلى اقتصاد أنهكته الحرب والقيود.

بينما يرى الخبير في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر أن استمرار الوضع الحالي ينذر بمزيد من ارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم ما يؤدي إلى انكماش أعمق في الاقتصاد المحلي واستمرار ما وصفه بـ"هندسة وإدارة المجاعة".

وأكد أبو قمر أن الاحتلال يتحمل المسؤولية الأساسية عن الأزمة الحالية، من خلال تنصله من الاتفاقيات الموقعة وتقنين دخول البضائع، واستخدام المعابر كورقة ضغط على السكان في قطاع غزة".

وأوضح أن تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي وخفض الأسعار يتطلب معالجة جذرية لمسببات الأزمة، تبدأ بإزالة القيود على حركة البضائع وضمان تدفقها إلى الأسواق دون ضرائب أو تنسيقات، بما يمهد لتعافٍ اقتصادي مستدام ويعيد الثقة للمستهلك.

وبات قطاع غزة، يعتمد بالكامل على الاستيراد لتوفير احتياجات المواطنين من مختلف أنواع السلع والبضائع، حيث سبق وأعلنت وزارة الاقتصاد الفلسطينية أن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة أدت إلى انهيار معظم الأنشطة الاقتصادية وتراجع الناتج الإجمالي على نحو غير مسبوق.